أدب المعاملة في المنظور الاسلامي

{ شعبة الدراسات والبحوث القرآنية / مركز القرآن الكريم }

أدب المعاملة في المنظور الاسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين وبعد:

لقد نظّم الدين الإسلامي العلاقات بين أفراد المجتمع، وحدّد لها معايير تُعدّ كالأساس الذي تُبنى عليه تلك العلاقات، سواء ما كان منها يتعلق بالفرد أو المجتمع.

ومن أهم القواعد التي أرساها الإسلام الحنيف لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع هي ما أشار اليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 31]، فأبطل ما كان موجودا آنذاك من التفاخر بالعشيرة والنسب، وأرجعهم إلى أصل واحد، فكان تغييرًا جذريًا في أدب التعامل مع الآخر وأن لا ينظر أحد لآخر بعلوّ وتفاخر فالكل لآدم وآدم من تراب. ويمكن أن نلحظ بعض مصاديق أدب التعامل في الدين الإسلامي من خلال الآتي:

 

أولاً : أدب التعامل مع الوالدين :

لقد ركّز القرآن الكريم على التعامل مع الوالدين كثيراً ووضع لها قيوداً ومحددات تدل على عظمة قدرهما، ووجوب الحذر في التعامل بلفظ أو فعل يؤذيهما، وبتتبع هذه العلاقة لا يمكن تصور علاقة أقدس منها بعد علاقة الفرد بربه، إذ قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا  إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرً} [الإسراء: 32-42] فقد قَرن طاعته بطاعتهم و((الإحسان في الفعل يقابل الإساءة. وهذا بعد التوحيد لله من أوجب الواجبات كما أن عقوقهما أكبر الكبائر بعد الشرك ‏بالله))(1).

وعبّر بـ(خفض الجناح) كناية عن المبالغة في التواضع والخضوع لهما في القول والفعل، وقد ورد في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:((أدنى العقوق أف، ولو علم الله عز وجل شيئا أهون منه لنهى عنه))(2) وليت شعري هل يوجد أعلى من هذا الادب في التعامل بالقول او الفعل.

 

ثانيا : أدب التعامل مع الأقارب ( الأرحام):

أولى الإسلام أهمية كُبرى لِصلة الرحم، وحثّ على التعامل معهم باللطف واللين، قال تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وقال تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]، و ورد عن المعصومين (عليهم السلام) أحاديث كثيرة في الحثّ على التواصل مع الأرحام، ففي أمالي الطوسي ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال :((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :صلة الرحم تعمر الديار، وتزيد في الاعمار، وإن كان أهلها غير أخيار))(3)، و أورد الكليني رواية عن الإمام السجّاد (عليه السلام) في النهي عن التعامل ومصاحبة أنواع من الناس اذ قال: ((...إياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع ...))(4).

 

ثالثا : أدب التعامل بين الزوجين :

لقد ميّز الدين الإسلامي العلاقة بين الزوجين بأنها مبنية على الاحترام والحب والرأفة والرحمة والتعاون، وأنهما سكن لبعضهما، يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

 وورد عن المعصومين (عليهم السلام) ما يوضّح أدب التعامل في تلك العلاقة ببعض المصاديق، منها مانقله الطبرسي في مكارم الاخلاق عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: ((خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني))(5)، وكذا في أدب تعامل الزوج مع زوجه، ما ورد عن نبي الإنسانية (صلى الله عليه وآله) انه قال: ((إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته(6)، وغيرها من الاحاديث التي تبين أجر الإحسان والأدب في التعامل بين الزوجين .

 

رابعا : أدب التعامل مع المجتمع:

لقد رسم القرآن علاقات واضحة في كيفية التعامل مع المجتمع سواء المجتمع المسلم أو غير المسلم .

 ففي المجتمع المسلم راعى الدين الإسلامي لحاضات كثيرة، ووضع لكل واحد منهنّ معايير وآدابًا في التعامل منها قوله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 63]، فجعل للجار والصاحب وابن السبيل وما ملكت الأيمان أدب في التعامل، وأن لا نتكبر على الناس ونتعامل بفوقية ولأي سبب كان، ورسالة الحقوق لإمامنا السجّاد (عليه السلام) خير دليل لمن أراد أن يعرف كيف يحثّ الدين الإسلامي على التعامل بأدب مع الآخرين فهو (عليه السلام) يرسم حدود التعامل مع الأقربين ومع الآخرين كالجار والمعلم والصديق والصغير والكبير ..الخ.

        أما من يختلف معنا في الدين فكذلك قد وضع له الدين نظاماً وآدباً لكيفية التعامل معه فقال تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8-9] فبيّن كيف يتم التعامل مع من هو ظالم معتدي ومن هو مسالم لا يريد بالأمة الضرر .

الخلاصة:

يمكن أن نلخّص ما بيّناه بالتالي:

1- أحدث الدين الإسلامي نقلة كبرى وتغييراً جوهرياً في أدب التعامل مع الآخر، بعدما كان مبنيّا على الطبقية والتفاخر بالعشيرة والقبيلة، أصبحوا متساوين كأسنان المشط لأن جميع الناس من أصل واحد.

2- رسم القرآن الكريم أروع لوحة في كيفية التعامل بالأدب والخضوع للوالدين، والتعامل برفق ورحمة بين الزوجين، وصلة الرحم والأقربين.

3- نظم الإسلام الحنيف آليات التعامل مع الآخرين المؤمنين، وإنه ينبغي أن يكون التعامل على أساس الاحترام والتعاون ورعاية حرمتهم.

4- فرّق القرآن الكريم بين الاخر غير المسلم، ووضع حدودا للتعامل معه، وانه من كان منهم غير مقاتل ولا ظالم فلا باس أن يتعامل معه بالبّر والقسط، أما من كان منهم مقاتلا ظالما معتديا فلا ينبغي أن يُتَولى.

 

ــــــــــــــــــــ

(1) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 13/ 79 - 80.

(2) الكليني، الكافي، 2/ 348.

(3) الطوسي، الأمالي، 481.

(4) الكافي، 2/ 641.

(5) مكارم الأخلاق، 200.

(6) الريشهري، ميزان الحكمة، 2/ 1186 .