التعاون بين المسلمين

{ شعبة الدراسات والبحوث القرآنية / مركز القرآن الكريم }

التعاون بين المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

فقد حثّ القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) على مسألة التعاون والتكاتف والتراحم بين المسلمين والمؤمنين، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، وقد قسّم القرآن الكريم التعاون على نوعين:

الأول: التعاون على البر والتقوى، كمساعدة الاخرين، وقضاء حوائج المحتاجين، ورفع الظلم عن المظلومين وغير ذلك من موارد البر والخير. وإن أفضل مَن مثّل هذا النوع هم أصحاب الانبياء، والأئمة (عليهم السلام) فقد كانوا {... أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، وواقعة كربلاء الحسين (عليه السلام) وتكاتف أصحابه وبذلهم أنفسهم في سبيل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) خير شاهد على سمو النفس، وعلى أعلى مراتب التعاون والتكاتف فيما بينهم.

والنوع الثاني: هو التعاون على الإثم والعدوان، وهو مغاير للنوع الأول كالتعاون مع الظالم ضد المظلوم ومنع موارد الخير، وقد تمثل هذا النوع بأعداء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) كتعاون القبائل على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حادثة مبيت الإمام علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله)، ومعركة والأحزاب وتعاون المشركين ضد المسلمين، والأمة التي تعاونت وخرجت لقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ...الخ.

  وقد اعتبر القرآن الكريم التعاون على البرّ والتقوى والتواصي به سبيل النجاة من الخسران، وكسب الجنة والرضوان، فقد قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}  [العصر: 1-3]، والتعاون والتراحم والتواصي بالحق والصبر عليه من أعظم الحقوق على المؤمنين، فقد ورد (( عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل: "رحماء بينهم" متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله "عليه السلام" ))([1]).

 

وإن من أهم الأسباب التي تدعوا إلى التعاون والتكاتف ونبذ الفرقة والعمل الفردي هو قوة المسلمين وعزتهم، فبتعاونهم ووحدتهم يقوى الإسلام ويعزّ المسلمون، ولعل خير حديث يمثل هذا هوما روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) بقوله: ((مَثل المؤمن في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى))([2])، فترك التعاون والتراحم يؤدي إلى ضعف الأمة ووهنها و"أنه كلما ابتعدنا عن الأصول القرآنية هذه منينا بالذل والنكبة أكثر فأكثر ومع ذلك لا نلتفت من أين نؤكل"([3]).

فعلى المسلم ألا يغفل عن هذا الأصل القرآني وأن يلحظ ذلك في كل حركة وكل زمان ومكان، ومن أهم المزايا الإيجابية التي يمكن أن نلحظها للتعاون هي ما يأتي:

  1. الحصول على رضا الله سبحانه وتعالى، ونجاة النفس من الخسران يوم القيامة.
  2. عزّة الإسلام والمسلمين، وأن تكون لهم اليد العليا، فلا يذلوا ولا يضعفوا.
  3. التعاون يساعد على التواصل بين أفراد المجتمع وخلق مجتمع متراحم ومتواصل وقوي الأواصر الاجتماعية.
  4.  التعاون يزيد من سرعة إنجاز المشاريع والأعمال الخيرية.
  5. تقليل الجهد والتعب على الفرد؛ لأن الجهد سوف يتوزع على المجموعة فلا يحس أحد بالعناء والتعب.
  6. التعاون يزيل الإحساس بالأنانية والطبقية، ويقلل من الفوارق المجتمعية وهوما يحثّ عليه الدين الحنيف.
  7. التخلص من الفقر والفاقة، وعدم وجود أشخاص عالة على المجتمع، فبالتعاون يرد الغني على الفقير والقوي على الضعيف، فيكون المجتمع ملؤه السعادة والرضا.

وهناك أمور ومزايا إيجابية كثيرة لصفة التعاون بين أفراد المجتمع، وما أحوجنا في الوقت الراهن إلى التعاون والتكاتف والتواصي بالحق والصبر، لنتجاوز البلاءات والمِحن التي تمرّ على بلدنا العزيز وأمتنا الإسلامية، جعلنا الله ممن يفعلون الخير ويتعاونون عليه، ويتواصون بالحق والصبر.

 

 

 

 ([1])الكليني، الكافي: 2/175.

 ([2])المجلسي، بحار الانوار: 58/ 150.

 ([3])ناصر مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل: 16/503.